فضل شعبان
خطبة الجمعة
الشيخ عمر بن إبراهيم أبو طلحة
ان الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله العظيم من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون اما بعد فان اصدق الكلام كلام الله عز وجل وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه واله وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثه بدعه وكل بدعه ضلاله وكل ضلاله في النار عباد الله شهر شعبان من شهور الله المباركه يتقدم صيام الفريضه ليسهلها ويعوض نقص صاحبها ليسهلها ويعوض على صائمه عصائبه النقصه فهو بمنزله السنن الرواتب التي تحيط بالفريضه وما كان النبي صلى الله عليه وسلم قط في شهر من الشهور اكثر صياما من شهر شعبان كان يصومه الا قليلا فهو افضل من صيام سائر شهور السنه بعد رمضان وافضل من سائر انواع التطوع المطلق في الصيام ولا يدع صيام هذا الشهر ابدا الا من لم يكن معتادا على الصيام فيتوقف عن الصيام بعد النصف منه سبحان الله كم دل هذا الشرع العظيم على كمال عفو ربنا خلق فيه الزمان والمكانه واودع فيهما من اسباب رحمته ومواسم رافته ما يذهب بها ذنوب العباد ولما لاحظ اسامه بن زيد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص هذا الشهر بالصيام ويحرص عليه ويتتبعه ساله عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم انه شهر يغفل عنه الناس انه شهر يغفل عنه الناس بين رجبا ورمضان وفيه ترفع الاعمال الى الله واحب ان يرفع عملي وانا صائم يصاب هذا الشهر تعظيما لرمضان وترويضا للنفوس الخامله وتعويضا للزلل واستدراكا للقضاء قضاء الفوائد قبل ان ياتي الموسم الجديد ولانه الشهر الذي ترفع فيه الاعمال ولانه الشهر الذي تقع فيه غفله الناس ولانه الشهر الذي تنسخ فيه الاجال وان من منه الله عز وجل على هذه الامه انه خص هذا الشهر المبارك بليله عظيمه نستقبلها في هذا الاسبوع انها ليله النصف من شعبان يطلع الله العظيم على الخلائق في هذه الليله فيغفر لكل الخلق لكل الناس الا لمشرك او مشاح فاحذروا الشرك بكل صوره واشكاله والمساحلون هم اهل الاهواء الذين ساحنوا اهل السنه بانواع العداوات قال الاوزاعي عبد الرحمن بن ثوبان والامام واحمد الخوارج والروافض هم المشحمون استحلوا دماء هذه الامه فالخوارج والروافض ومن عاونهم وساندهم وايدهم ومن استحل دماء اهل القبله من المشاحنين الذين يحرمون رحمه الله في هذا الشهر المبارك رحم الله سمع مني مقالا فبلغه كما سمعه ورب مبلغ او عن سامع ثلاث لا يغل عليهن قلب المسلم من الاغلال والخيانه وان شئت كذلك قل من الحقد والضغينه ثلاث لا يغل عليهن قلب المسلم النصيحه لولاه الامور النصيحه لائمه المسلمين ولزوم جماعههم واخلاص العمل لله انصحوا الامه في دينها لا تؤلبوا ولا تهيجوا ولا تصوروا ان المشاحنين يحرمون رحمه الله كونوا لدين الاسلام لا تهلكوا البلاد والعباد بمخالفه هذا الغل الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وجوده في قلوب المؤمنين والاشهر في تفسير المشاحم انه الحقود الحقود الذي في قلبه غل وحسد للمسلمين الحقود الذي هجر جاره واخاه ورحمه لا لامر شرعي يرضى الله عنه ولكن لتبرم مزروع في نفسك ولامراض حشيت فيها نفسه الفاسده ولقد تعاهد الله اهل الحقد بالحرمان من الغفران لان الحقود ينزع من العتب ومن ملاحظه النفس وازدراء الاخرين فاما تنفع معه الحسنات وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح ان الاعمال ترفع الى الله ان اعمال العباد ترفع الى الله في يومي الاثنين والخميس فيغثر في ذلك العرض لكل من لم يسرك بالله شيئا الا مرور في قلبه شحناء على اخيه يقول الله انظرها بيني حتى يصطلحا انظروا اهل الضغينه بضغائنهم واهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه يا من حملت على جاري او اخ او رحم او صاحب او شريك تجارتك او احد من المسلمين شيئا من الغل ان الغل يفسد الايمان كنت خير ولدي ادم نملالك مظلوما لا عليك ولا تنبه ظالما ان خير اخلاق الاولين والاخرين ان تعفو عمن ظلمك وان تصل من قطعك وان تحسن الى من اساء اليك سلامه الصدور يا عباد الله انما المؤمنون اخوه فاصلحوا بين اخويكم لعلكم ترحمون برحمه الله في هذا الشهر المبارك سلامه الصدور يا عباد الله خير الناس مخموم القلب التقي النقي الخفي لا اثم ولا غل ولا حسد ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا قيموا ايمان العبد حتى يستقيم قلبه ولم يستقيم القلب مع الغل والاحقاد سماك ابن خرشت صحابي جليل ابو دجانه بدري واحودي واجتهد سائر المشاهد مرض مرضا ظن انه ميت فيه فاستمع عنده الناس قال اسندوني وقال ايها الناس لمن حضر ايها الناس اني في اخر يوم من الدنيا واول يوم من الاخره اشهدوا ان اوثق اعمالي في قلبي القى الله بها اني لم اتكلم يوما فيما لا يعنيني وها انا اموت وقلبي للمسلمين سليما يا عبد الله من هجر مسلما فوق ثلاث بغير حق اقترف كبيره وتخوض الموبقات يلتقي المتخاصمان من اهل الاسلام يعرض هذا ويعرض هذا وهما ناكبان عن الحق ما كانا على صرمهما اقربهما من المغفره اقربهما فيا من الحقد وخيرهما من بدا بالسلام ومن تواضع لله رفعه الله الحلم ذل لكنه محتمل فاحتمل لاجل ان ترحم ومن عفا عفا الله عنه ومن غفر غفر الله له وان من عجائب ما تحمله الصدور من الاحقاد ان يقول الرجل لاخيه في خصومه دنيويه لا اريد الجنه التي انت فيها يقتحمون الكفرة من وراء الحقد اليس اولئك اهل لان يحرموا رحمه الله واما مما ينبغي ان ينصح به الناس لا سيما من كان من اهل الشره والنشاط في انواع الطاعات في مواسم العبادات ان يقال له الا لا تهمل الحق الذي عليك يا ايها العابد الصالح استقبل رمضان باداء الحقوق ورد المطالب وانصاف الاخرين فكم من عابد اكال للحقوق ليس له من صيامه الا الجوع والعطش وليس له من قيامه الا التعب والسهر وليس له من بدنه الا الانفاق والخسران ان الله عز وجل هو الذي تكفل بنصره المظلوم انه هو جل وعلا الذي قال وعزتي وجلالي لانصرنك ولو بعد حين يروي البيهقي في كتابه شعب الايمان عن عطاء ابن ابي رباح قال سمعت ابن عباس يقول جرى ذكر المظالم ونحن في مجلس عمر رضي الله عنه فقال رجل يا امير المؤمنين في الجاهليه كان قوم من خزاعه ظلموا رجلا منهم اكلوا ماله واساءوا جواره وقطعوا رحمه فنشدهم الله والرحم فمن كفوا فغضب فدعا عليهم عند البيت فوالله انهم لعلى قليب ينزفونه منهم من هو فوقه ومنهم من هو فيه اذ تهور بهم القليل فصار القبيل قليل قبرا لجميعهم صار القريب قبرا لجميعهم فتحدرت دموع عمر وقال ان في هذا لعبره وموعظه عبد الرحمن بن ابي الامام يروي عنه بحثا في كتاب تاريخ واسط انه قال كنت اتتبع اهل الظلم فوالله ما رايت منهم رجلا الا صار الى سفله وذل ولا يضيع الله حق المظلوم الله اكبر يوم ان يجي احدنا ولا هو جبال من الحسنه تعدل جبالتها بيضا يظن انه ناج بها ونسي ان الله احصى عليهما ضربا وظلم وسب وشتم واغتاب ونما واكل الحقوق وسعى في انواع المظالم فتجيء هذه المظالم بين يديه تاخذ من حسناتها فيضيع المغنم ويلقى في حمراء جهنم سبحان الله يا ايها العابد احسن استقبال رمضان بابراء الذمم ولا تغترن بكثره صلاه او صيام غدا ستلقى الله في يوم عسير يؤخذ فيه للذره من الذره وتستوعب الهمزه واللمزه في يوم اقسم بالذي لا اعدل منه لو كنت ظلمت عصفورا فما فوقها او بهيمه عجما ليؤخذن منك في ذلك اليوم ويروي عمرو بن مره كما في كتاب الورع لابن ابي الدنيا ان ابا الدرداء كان له جمل اسمه الدمون فكان الرجل يستعيره منه فيقول اتق الله في الدمون ولا تحمل عليه فوق ما يطيق لما حضرت الوفاه ابا الدرداء اشار لجمل وقال يا دمون يا دمون لا تخاصمني غدا عند الله فاني لم اظلمك علفا ولم احمل عليك ما لا تطيع عثمان بن عفان حفظ القران يقوم به انا الليل واطراف النهار انفق انفاق الامه وتولى قيادتها وجاهد وعدلا ثم لا يستطيع ان ينام ليله واحده لان نفسه تحملت عليه بظلم فيروي عنه ابن سعد في الطبقات وغيره انه دخل على غلام له يعلف دابته فوجد في علفها شيئا فغضب ولا مهو وصاح عليه واخذ باذنه وعركها حتى اوجعه امام الغلمان فلما جاء اللي لاح له ما فعل ما استطاع ان ينام ولا ان يصلي نزل دار الغلمان ونادى عليهم فانزلهم جميعا وقال لذلك الغلام واعرف اذني وكان انا ذاك خليفه للمسلمين فقال الفتى لا افعل عزمه امير المؤمنين لا تفحت عثمان اماه بلغ من اذنه كما بلغه من الغلام وقال له اني اعتذر اليك تحلل ثم قال انت حر لوجه الله وولا باكيا وهو يقول يا حبذا قصاص في الدنيا ولا قصاص يوم القيامه ويروي احمد في كتاب الزهد فاخرجي وسريري الى وسط الدار ودعا الغلمان والخدم والجواري وقال لهم اني لا اراني اصبحكم اني لا اراني الا ميتا في هذه الليله واني احرج عليكم من كان في نفسه علي شيء فليقله فاني تائب الى الله من كل المظالم وارد كل الحقوق ان اسرعت بكلمه او بيد لاحدكم فليعفوا عني يا حبذا العفو في الدنيا قبل القصاص والله لان القى ربي بمئه ذنبك اهون من ان القاه بظلمه ولمطه احدا من الناس عباد الله شهرنا هذا شهر يحصل فيه استقبال رمضان بقلوب طيبه نقيه لا تسرعني تطهير روحك الا من مداخلها واعظم هذه المداخل ان تحقق التوحيد ما يوجب عليك الانكسار للحق وان ترد ذلك لاهلك كما قال ابو سفيان رضي الله عنه لما اسلم واقتل مع رجل على حد ارض قال له عمر اعد له وحد ارضه فقال ابو سفيان سافعل الحمد لله الذي لم يمتني حتى ادخل من الاسلام من الاسلام قلبي ما يذلني للحق فكن ذليلا من الحق اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروا الحمد لله رب العالمين اللهم صل على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين عباد الله كثير من الناس من يشتهد في الصيام في شهر رجب ثم يصوم شهر رمضان ويغفل عن الصيام في هذا الشهر المبارك لذلك تقصد النبي صلى الله عليه وسلم ان يصوم في زمان يغفل عنه الناس وكل زمان ومكان فيه غفله في اهله يسن الاكثار من العباده والاقبال على الله فيها ويرتب على الذكر في وقت الغفله وزمانها من الاجر والثواب ما لا يرتب في غيرها من الازمان لان الذاكره عند غفله الناس دل حاله على تعلق قلبه برب العالمين وعلى صدقه في تلك المحبه لهذا كانت المناجاه في جوف الليل والناس نيام احب الى الله واعظم اجرا وتوابا وذلك ان الناس في نومهم غافلون فقام هو حال غفله الناس كما قال صلى الله عليه وسلم وصلوا بالليل والناس نيام تدخل الجنه بسلام فالله العظيم يقول ايا ملائكه انظروا لعبدي عن ديثاره الدافئ ومن جنب زوجته الحسناء وفي ليله بارده وقام يصلي لاجلي اشهدوا اني له قد ذكرت ومثل ذلك ذكر العبد في السوق عظم ثواب الذكر في السوق لهذا السر لان السوق مظنه غفله الناس والافتتان فيه النساء والبيع والشراء والغش والخديعه وتنفيق السلع بالايمان الكاذبه حتى سماه سلمان كما في صحيح الامام مسلم معركه الشيطان وفيها ينصب رايته السوق معركه الشيطان فاسرع الغادين اليه اسرع الحاملين لرايه الغفله لهذا لما وصف الله عباده الصالحين قال لا تنهيهم تجاره ولا بيع عن ذكر الله اولئك هم الصالحون وذلك قال صلى الله عليه وسلم من دخل سوقا من الاسواق يباع فيه فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير الا كتب الله له الف الف حسنه ومحى عنه الف الف سيئه ورفعه الف الف درجه وبنى له بيتا في الجنه السر في هذا الاجر العظيم ذكره على غفله الناس وعندي خبر عجيب هو من لطائف الاخبار التي رواها اهل العلم منهم ابن الجوزي في كتاب عيون الحكايات ومن قبله ابن لال في كتاب اخبار المتحابين في الله وغيرهما من حديث ام الدرداء رضي الله عنها قالت اخر النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وابي الدرداء وبين عوف ابن مالك والصعب ابن جثامه فاشتدت صله الصعب مع عوف فكان لا يفترقان ابدا احدهما يجيء في جوف الليل فيطرق دار صاحبه ليست له حاجه ويقول يا اخي لا اصبر الى صلاه الفجر شوقا للقيام وكان يلتقيان فيقول احدهما للثاني تعال نذكر الله نزداد بذلك ايمانا وكان قد تعهد من مات منهما قبل الثاني لقيه في المنام فبات الصعب فلقيه عوف في المنام بعد اسبوع فقال كيف حالكم اخي قال نجوت والحمد لله بعد اهوال ومصائب قال بما قال بهجرتي ونصرتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال احاسبك ربك قال على كل اعمالي قال فما وجدت في خير اعمالك قالت تذكر الساعه التي التقينا فيها في السوق وذكرنا الله ساعه عند الحانوتي فقال بلى قال وجدتها في خير اعمالي ورايت لمعه سوداء في عنقك فقلت ما هذا على عنقك قال هذا دين علي يا عروس اياك ان تهمل وصيتي اوصيك ان انت استيقظت امضي الى داري فعدد عشر خشبات في اسكفه الباب في عتبه الباب وامدد يدك تجد كيسا فيه دراهم فاعطي فلانا اليهوديه عشره دنانير واعطف فلانا وفلانه كذا وكذا وقل لاولادي ان الهر الذي يبحثون عنه ماتا في حسي بني حارثه فلما افاق عوف ومضى الى داره لقيتهم امراته بكت تذكرت زوجها وبكت وقال زور قد غيب كان الزوار ياتوننا فمات سيد الدار فما عاد ياتينا احد زور قد غيب فقال لها الطريق ففتحت الطريق فما مد يده في الخشبه العاشره من اسكفه الباب فوجد فيه كيسا فيه الدراهم فقال هذه العشره الدراهم لفلان اليهودي وهذه لفلانه وهذه لفلان فقالت والله ما ذكرت احدا الا وهو يطالب بهذا القدر منذ مات الصعب قال هو لهم اين اولادك قالت خرجوا يبحثون عن هر لهم قال قولي لهم مات في حسي بني حارث عباد الله متى غفل الناس عن الذكر واقبل العبد على الله دل على صدقه لعلك غضبان وقلبي غافل سلام على الدارين ان كنت راضيا من كان مع الله كان الله معه هذه تنبيهات لفضل شهر شعبان اسال الله العظيم رب العرش العظيم ان يعيننا على صيام رمضان وان يبلغنا اياه للصيام والقيام ونساله ان يتقبل منا اعمالنا اللهم من اراد بالاسلام والمسلمين خيرا توفيق لكل خير ومن اراد بهم غير ذلك فخذوا اخد عزيز مقتدر اللهم وفق ملك البلاد للحكم بالكتاب والسنه واقم الصلاه